ما كان لله فلن يضيع عند الله ، وما كان للمبادئ والقيم فسيظل في قلوب المخلصين وعقولهم ..
أما ما كان للابتزاز ، والاسترزاق ، فسيأتي عليه يوم لابدّ أن يختار واحدا من طريقين ، وعندها عليه أن يتحمّل نتائج أفعاله ، بالضبط مثل اللص الذي ظل يسرق لثلاثين عاما دون أن تكتشفه الشرطة أو يعلم به الناس ، فيأخذ مكانه ومكانته بين الناس بحسب الزاوية التي ينظرون إليه منها .. وعندما يشاء الله أن يفضحه ويسقط في يد العدالة ، عندها لا بدّ أن تتم تبرئته أو ينال عقابه ( وفي هذه الحالة يتعاطف معه بعض زملاء المهنة ) ...
هذا هو باختصار حال جماعات الإخوان المسلمين السياسية ..
وقد بدأت بتلخيص لوجهة نظري ، لأنني أحب الوضوح ، وأقارب الأمور من زاوية " المآلات " هذه الكلمة التي سأستخدمها كثيرا في هذا الموضوع ..
لكن وجهة النظر هذه كما ترون تختصّ " بجماعة محددة " وهي في نظري " الفصيل الأصغر " في فصائل الإخوان المسلمين ، إنها الفصيل " السياسي " الذي يريد الحكم .. لا لا .. هو عطشان لدرجة السغب إلى الحكم .. لكنه لا يصرّح بهذا ..
وأيضا : فإن وجهة النظر هذه لا تسلب الإخوان حقهم المقدّر جدا في التنظيم الذي لا تتمتع به جماعة أخرى على حد علمي ( بالطبع هذه الميزة فرطت تماما بعد انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر) .. وأظن أن هذا هو سبب الانقلاب الحقيقي .. أي أن التنظيم فقد مهارته وفقد حنكته ، واستعجل قطف الثمرة ، وإذا كان هناك من شاهد في التاريخ " الإسلامي " فهو شاهد " جبل الرماة " في غزوة أحد عندما انقلب النصر إلى هزيمة بسبب الاستعجال في الحصول على المغانم .عاشت جماعة الإخوان ما يمكن تسميته بـ " الدياسبورا " .. و دياسبورا، مصطلح يطلق على أماكن تواجد شعوب مهاجرة من أوطانها في مناطق مختلفة من العالم ليصبحوا مشتتين فيها كمجموعات متباعدة، ويتفاعلون فيما بينهم بمختلف الوسائل للتنسيق لمحاولة العودة إلى أوطانهم ..
هم بالضبط يشبهون الأكراد ، والأرمن والأمازيغ والفلسطينيون ... يتم التمكين لهم في مكان ، ويضطهدون في آخر ..
وقد بدأ اضطهادهم على يد " القومية العربية " وتحديدا : جمال عبد الناصر .. وعلى المستوى الشخصي لا يمكن لي إلا أن أتعاطف مع كل ضحايا قهر الرئيس الزعيم / عبد الناصر .
ويبدو أن هذا التعاطف والعاطفة " ميزة و / أو عيب " في الشعوب الأكثر بعدا عن الحضارة الحديثة ، بينما الشعوب التي تزعم التحضّر لا تتعاطف مع من يوسمون أو يوصمون بأنهم مجرمون من قبل حكوماتهم .. بل يتعاملون معهم بمنطق الاستغلال .. فإما يشغلّونهم " جواسيس " أو يستخدمونهم " فزاعة " لحكوماتهم الأصلية !!
لكن دول الجزيرة العربية ( وهي شعوب أقرب للبداوة .... خصوصا في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ) تعاملت مع هؤلاء المشردين بتعاطف لا مثيل له ، فاستقبلت الهاربين من عبد الناصر ، وأعطتهم وظائف مرموقة ، ومساكن جيدة ، وسهّلت لهم التواصل والعلاقات مع الحكام حتى أكثر من مواطنيها ــ من أسباب غضب شعوب الجزيرة وحكامها لاحقا .. ان هؤلاء الهاربين اعتبروا ما حصلوا عليه في بلاد الشتات حقا لهم ، بل واعتبروا أنهم كانوا يسدون لهذه الشعوب معروفا كبيرا ، بزعم أنهم علموهم و " نظّموهم " ــ وهكذا تستمر نفس الحكاية الشعبية القديمة حول " حية النبي " .. ولمن لا يعرفها : يقال في الأساطير أن أحد الأنبياء وجد حيّة تكاد تموت من البرد فعطف عليها ووضعها تحت عمامته لتدفأ .. وعندما شعرت بالدفء لدغته هههه .عندما يعبّر مسئول كبير مثل وزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز ، عن خيبة أمله من الإخوان ، فهو لا يفعل ذلك لمجرد أن يظهر في الإعلام ... فبرغم كل المآخذ على الوزير الراحل ، ولكن لا أحد حتى خصومه ينكر عليه التزامه ومسئوليته .
بل لقد أورد قصصا لزعماء الإخوان وهم أحياء ولم ينكروها .. مثل الشيخ الغزالي رحمه الله ، والحية الرقطاء الترابي .
بل إن المتابع البسيط مثلي ممن عاصر غزو العراق للكويت ، لا يمكن له أن ينسى أبدا وإلى يوم القيامة موقف الإخوان المسلمين من غزو الكويت ... يرون بلدا يضيع في ليلة ، ثم يضعون شروطهم " الربانية " على تحرير هذا البلد !!! كانوا يستغلون الأمر إلى أقصى مدى .. وكانت أعينهم على الجائزة الموعودة من صدام !!
غير أن كل هذا لا يعدو " سيئات .. حدثت منهم ومن غيرهم " وليس عليهم أن يدفعوا الثمن إلى يوم القيامة .. لكن ..
المشكلة : أن الفصيل الصغير ــ والرئيسي ــ في جماعة الإخوان لا يزال يمارس نفس الأساليب .
يرفع الشعارات المثالية من نوع " الإسلام هو الحل " و " الأمة " و " فلسطين " و " الحقوق المتساوية " .. الخ
ومع ذلك يكذبون !!
والكذب قد يكون " ملح الرجال " كما يقول العامة .. وكما يفعل كل السياسيين في العالم .. غير أنه في شأن الإخوان منقصة كبيرة .. لماذا ؟
لأنهم يربطون أنفسهم " أشخاصا وتنظيما وممارسة وأساليب تحشيد " يربطون كل ذلك بـ " الإسلام " .
الإسلام عظيم .. عظيم جدا ... تخيلوا حتى " الكذبة " من الناس والمفسدين يستطيعون أن يكونوا زعماء لمجرد " ادعائهم تمثيل الإسلام " .... يصحّ هذا الأمر على زعماء المنظمات ، كما يصحّ على رؤساء وحكام الدول ، كما يصحّ على واحد " يربّي دقن " ويدّعي الصلاح ، وهو منافق أو نصاب !!