الاثنين، 7 أغسطس 2017

نحن والإخوان ..



ما كان لله فلن يضيع عند الله ، وما كان للمبادئ والقيم فسيظل في قلوب المخلصين وعقولهم ..

أما ما كان للابتزاز ، والاسترزاق ، فسيأتي عليه يوم لابدّ أن يختار واحدا من طريقين ، وعندها عليه أن يتحمّل نتائج أفعاله ، بالضبط مثل اللص الذي ظل يسرق لثلاثين عاما دون أن تكتشفه الشرطة أو يعلم به الناس ، فيأخذ مكانه ومكانته بين الناس بحسب الزاوية التي ينظرون إليه منها .. وعندما يشاء الله أن يفضحه ويسقط في يد العدالة ، عندها لا بدّ أن تتم تبرئته أو ينال عقابه ( وفي هذه الحالة يتعاطف معه بعض زملاء المهنة ) ...

هذا هو باختصار حال جماعات الإخوان المسلمين السياسية .. 

وقد بدأت بتلخيص لوجهة نظري ، لأنني أحب الوضوح ، وأقارب الأمور من زاوية " المآلات " هذه الكلمة التي سأستخدمها كثيرا في هذا الموضوع ..

لكن وجهة النظر هذه كما ترون تختصّ " بجماعة محددة " وهي في نظري " الفصيل الأصغر " في فصائل الإخوان المسلمين ، إنها الفصيل " السياسي " الذي يريد الحكم .. لا لا .. هو عطشان لدرجة السغب إلى الحكم .. لكنه لا يصرّح بهذا ..

وأيضا : فإن وجهة النظر هذه لا تسلب الإخوان حقهم المقدّر جدا في التنظيم الذي لا تتمتع به جماعة أخرى على حد علمي ( بالطبع هذه الميزة فرطت تماما بعد انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر) .. وأظن أن هذا هو سبب الانقلاب الحقيقي .. أي أن التنظيم فقد مهارته وفقد حنكته ، واستعجل قطف الثمرة ، وإذا كان هناك من شاهد في التاريخ " الإسلامي " فهو شاهد " جبل الرماة " في غزوة أحد عندما انقلب النصر إلى هزيمة بسبب الاستعجال في الحصول على المغانم .عاشت جماعة الإخوان ما يمكن تسميته بـ " الدياسبورا " .. و دياسبورا، مصطلح يطلق على أماكن تواجد شعوب مهاجرة من أوطانها في مناطق مختلفة من العالم ليصبحوا مشتتين فيها كمجموعات متباعدة، ويتفاعلون فيما بينهم بمختلف الوسائل للتنسيق لمحاولة العودة إلى أوطانهم ..

هم بالضبط يشبهون الأكراد ، والأرمن والأمازيغ والفلسطينيون ... يتم التمكين لهم في مكان ، ويضطهدون في آخر ..
وقد بدأ اضطهادهم على يد " القومية العربية " وتحديدا : جمال عبد الناصر .. وعلى المستوى الشخصي لا يمكن لي إلا أن أتعاطف مع كل ضحايا قهر الرئيس الزعيم / عبد الناصر .
ويبدو أن هذا التعاطف والعاطفة " ميزة و / أو عيب " في الشعوب الأكثر بعدا عن الحضارة الحديثة ، بينما الشعوب التي تزعم التحضّر لا تتعاطف مع من يوسمون أو يوصمون بأنهم مجرمون من قبل حكوماتهم .. بل يتعاملون معهم بمنطق الاستغلال .. فإما يشغلّونهم " جواسيس " أو يستخدمونهم " فزاعة " لحكوماتهم الأصلية !!
لكن دول الجزيرة العربية ( وهي شعوب أقرب للبداوة .... خصوصا في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ) تعاملت مع هؤلاء المشردين بتعاطف لا مثيل له ، فاستقبلت الهاربين من عبد الناصر ، وأعطتهم وظائف مرموقة ، ومساكن جيدة ، وسهّلت لهم التواصل والعلاقات مع الحكام حتى أكثر من مواطنيها ــ من أسباب غضب شعوب الجزيرة وحكامها لاحقا .. ان هؤلاء الهاربين اعتبروا ما حصلوا عليه في بلاد الشتات حقا لهم ، بل واعتبروا أنهم كانوا يسدون لهذه الشعوب معروفا كبيرا ، بزعم أنهم علموهم و " نظّموهم " ــ وهكذا تستمر نفس الحكاية الشعبية القديمة حول " حية النبي " .. ولمن لا يعرفها : يقال في الأساطير أن أحد الأنبياء وجد حيّة تكاد تموت من البرد فعطف عليها ووضعها تحت عمامته لتدفأ .. وعندما شعرت بالدفء لدغته هههه .عندما يعبّر مسئول كبير مثل وزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز ، عن خيبة أمله من الإخوان ، فهو لا يفعل ذلك لمجرد أن يظهر في الإعلام ... فبرغم كل المآخذ على الوزير الراحل ، ولكن لا أحد حتى خصومه ينكر عليه التزامه ومسئوليته .

بل لقد أورد قصصا لزعماء الإخوان وهم أحياء ولم ينكروها .. مثل الشيخ الغزالي رحمه الله ، والحية الرقطاء الترابي .

بل إن المتابع البسيط مثلي ممن عاصر غزو العراق للكويت ، لا يمكن له أن ينسى أبدا وإلى يوم القيامة موقف الإخوان المسلمين من غزو الكويت ... يرون بلدا يضيع في ليلة ، ثم يضعون شروطهم " الربانية " على تحرير هذا البلد !!! كانوا يستغلون الأمر إلى أقصى مدى .. وكانت أعينهم على الجائزة الموعودة من صدام !!

غير أن كل هذا لا يعدو " سيئات .. حدثت منهم ومن غيرهم " وليس عليهم أن يدفعوا الثمن إلى يوم القيامة .. لكن ..

المشكلة : أن الفصيل الصغير ــ والرئيسي ــ في جماعة الإخوان لا يزال يمارس نفس الأساليب .

يرفع الشعارات المثالية من نوع " الإسلام هو الحل " و " الأمة " و " فلسطين " و " الحقوق المتساوية " .. الخ

ومع ذلك يكذبون !!

والكذب قد يكون " ملح الرجال "  كما يقول العامة .. وكما يفعل كل السياسيين في العالم .. غير أنه في شأن الإخوان منقصة كبيرة .. لماذا ؟

لأنهم يربطون أنفسهم " أشخاصا وتنظيما وممارسة وأساليب تحشيد " يربطون كل ذلك بـ " الإسلام " .

الإسلام عظيم .. عظيم جدا ... تخيلوا حتى " الكذبة " من الناس والمفسدين يستطيعون أن يكونوا زعماء لمجرد " ادعائهم تمثيل الإسلام " .... يصحّ هذا الأمر على زعماء المنظمات ، كما يصحّ على رؤساء وحكام الدول ، كما يصحّ على واحد " يربّي دقن " ويدّعي الصلاح ، وهو منافق أو نصاب !!

الاثنين، 12 مايو 2014





ظهر أيضا وأيضا أن البلاد كانت تعجّ بجماعات من ،مدّعي الليبرالية , ومدّعي الإصلاح ، والرافضة الناقمين ، التجار الفاسدين ، الخ ... وللأسف لم يتم التعامل مع هذه الفئات أبدا بما تستحق كل منها ، حتى وإن كانت أعدادهم غير مهمة ، ولكن صوتهم كان عاليا ..
لكن أهم ما تمخضت عنه الحرب على صعيد الموقف السياسي ــ في نظري ــ أنه حتى المعتدلين في السياسة لا يمكن أن يكونوا كذلك إذا لم يكن لهم من القوة ما يسندهم ويدافع عنهم .. فلا يكفي أن يكون موقفك صوابا وحقا .. بل يجب أن تملك ما تدافع به عن هذا الحق .


في هذا الجوّ من بقايا دخان المعارك العسكرية في العراق بل في ظلاله بدأت الغالبية الصامتة تصحو غلى مشاهدة الأشكال الحركية الفجّة المتطرفة للعمل السياسي ممثلة في متطرفين ـ وأحيانا مفجّرين ـ ينسبون أنفسهم للقيم الإسلامية وتعاليم الشريعة السمحاء ، ومتطرفين ينسبون أنفسهم للقيم الليبرالية .

وبدأت الأغلبية الصامتة تشاهد مظاهر المعركة ـ التي كانت بوادرها النخبوية قد بدأت في الثمانينات تحت عناوين أدبية وفكرية ـ في الصحف والمنابر الإعلامية ومنابر المساجد ومواقع الإنترنت كل بحسب المكان الذي يجد الحرية والإمكانية لاستخدامه .

كان غزو العراق في عام 2003م وما بعده الوقت الأنسب للطرفين ليشعلوا فتيل المواجهة , وينفخوا بوق المعركة الإعلامية , حيث استذكر المتقاتلون من "متطرفي الطرفين" أن حركة الحكومة السعودية في هذه المنطقة من العالم شملت مناحي كثيرة ترتبط بشكل أو آخر مع تحقيق أهدافها السياسية المستندة إلى العقيدة .. فمن دعم الدول والجمعيات والهيئات والمدارس الإسلامية ، إلى الوقوف بصلابة ــ وضمن إمكانياتها ــ في وجه الأخطبوط الصهيوني الذي لا يمكن أن يكتفي باحتلال الأرض ، بل كان ولا يزال يسعى لبسط الهيمنة الكاملة على المنطقة العربية في جميع مجالات الحياة .. وكانت المواقف السعودية دوما هي المعطّل لكثير من المشروعات الصهيونية .
فكان أن اتفق المتقاتلون ــ كلا لأسبابه ــ على توصيف الموقف السعودي بـأنه ــ على الأٌقل ــ ممالئ للمواقف الأمريكية والصهيونية في المنطقة .!!
وظن كل من الطرفين أن وجود القوات الأمريكية على حدودنا ، مناسبا ليعلنوا مواقفهم ، ويجهروا بها ، فالمفجرون ظنوا أنهم هم من استدعى أمريكا ليقضوا عليها هنا ، والليبراليون بدأوا بنشر ( أخطاء وخطايا !! ) النظام السعودي في حقوق الإنسان والمرأة والديمقراطية والمناهج ، وحلقات التحفيظ ، وحتى خطباء صلاة الجمعة !! ظانّين أن أمريكا بالفعل أتت لتنشر الديمقراطية هنا !!

وتبعا لهذا الموقف من ( متطرفي الطرفين ) : المفجرين المكفّرين ، والليبراليين المميّعين ، أصبحت الغالبية الصامتة ـ بحكم تماهيها الطوعي أو الجبري مع الموقف الحكومي ـ مختطفة بين فريقين لا يمثلان حتى الأقلية المعتبرة في النظم الديمقراطية ، أو جماعات الحل والعقد في النظم الإسلامية .

والمدهش في الأمر أن فريقي " التطرف " يقفان في خندق واحد لمن ينظر للأمر بشكل شامل ، فهما يشكلان معا نوع من مستعمرة للفطريات ، يتغذى أحدهما على وجود الآخر ..
فالليبراليون يتخذون أعمال المفجّرين ذريعة للمناداة بالإصلاح ، (وهو إصلاح لم توافقهم الأغلبية الصامتة لا في وسائله ولا غاياته )
والمفجرون المكفرون يجدون في تصرفات أقلية الأقلية من الشعب ــ ممن يتخذون الليبرالية شعارا ــ مبررات كافية للحكم على المجتمع بكامله ــ حكومة ومحكومين ــ بأنهم مارقون عن الدين ، وأن التمكين لهذه "الحثالة " ــ بحسب وصفهم ــ في الإعلام ، وقبلها في بعض مراكز التربية ، دليل على أن الدولة فقدت " هويتها الإسلامية " وصار من حق المفجرين أن يغيّروا هذا المنكر بوسائل ترى الأغلبية المُختطفة أنها أشد " نكارة " .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هذا المقال مكتوب منذ 6 سنوات وتم نشر أجزاء على نطاق محدود ولم يتغير شيء يستدعي التبرؤ منه للأسف

وسنعرض في التدوينات اللاحقة بإذن الله المطالب والمرئيات ــ التي نظنها ــ للغالبية الصامتة



وهكذا عاشت هذه " الأغلبية الصامتة " ما يمكن تسميته بحالة من " الاختطاف " لموقفها وصوتها .
ومع كل ذلك ظلت منطقة الوسط السياسي ــ حتى مع عدم وجود التنظيمات الحزبية بشكل رسمي في البلاد مع أنها موجودة كوجود السوق السوداء في كل السلع الأخرى ــ هي مركز الثقل الذي استقطب " الأغلبية الصامتة " ،وارتكزت الحكومة على الولاء " المفروغ منه " من قبل هذه الأغلبية تجاهها ، لتتخذ قراراتها ، حتى تلك القرارات التي كانت مما يحوك في الصدر ونكره أن يطلع عليه الناس !!

أما حركة الحكومة " الوسطية " فيمكن تلخيصها بمحاولة المشي على حبال الوسطية السياسية وهي تحمل قضيبا للتوازن أحد طرفيه يتمثل في أن الوقوف السعودي ــ أو حتى الحركة ــ في هذه المنطقة ليس نوعا من الحياد .. بقدر ما كان خياراً سياسيا مرتبطا بالعقيدة التي قام عليها التفاعل بين الحكم والمحكومين ، وطرفه الآخر أن الحكومة كانت اللاعب السياسي الوحيد ــ داخليا ــ الذي يمتلك " علما وفهما سياسيين " في مواجهة جهلاء الطرفين ، فهي تلعب السياسة بشكل ميكافيلي باحتراف في عالم لا يعترف بالهواة ، وأصحاب الشعارات ، وكانت حرب الخليج في عام 90 برهانا كبيرا على أن السعودية لاعب مهم في السياسة الدولية ، ورقم صعب حتى ونحن ننتقص من هذه القدرة " السياسية " بعزوها إلى المال السياسي ، أو شبكة المصالح الدولية التي أنقذت البلادــ بعد الله ــ من مصير ضبابي ، إذ لا يمكن الادعاء أن الأسلحة السعودية ــ مثلا ــ كان معولا عليها ، برغم أننا حتى قبيل الحرب بأشهر كنا ــ نحن الأغلبية الصامتة ــ نظن أننا نمتلك أسلحة مخبأة ستظهر عند الحاجة وأننا سنكون في حالة القائل :
ملأنا البرّ حتى ضاق عنا *** وماء البحر نملؤه سفينا!!
لكن ما ظهر واضحا بعد انجلاء الغبار أن ما كنا نظنه عن قوة المملكة العربية السعودية العسكرية لم يكن سوى إشاعات لا أساس لها ..
وظهر أيضا أن قوة السعودية كانت تكمن في نوع من "سياسة عالمية" لعبت الأموال والبترول السعودي فيها دورا كبيرا لتحفظ للبلاد وضعها الوسطي, ولكنها دفعت أموالا أخرى أصابتها بالديون المرهقة لتحرير الكويت ..
ظهر أيضا .. أن ما كان السعوديون يراهنون عليه من وقوف الأشقاء والأصدقاء حول العالم معهم .. لم يكن بالقدر الذي توقعوه للأسف كانت مواقف الأشقاء أقل بكثير من مواقف الأصدقاء !!

لم تستطع الحكومة في هذه الظروف الركون إلى ( العمق العربي ) الذي أزعجنا منظروه القوميون لعقود بمزاياه ، فقد ظهر أيضا .. أن العالم العربي كان هشّاً وضعيفا .. أكثر مما كان يعتقد أكثر المتشائمين .. فالضعف كان عاما وشاملا .. في القيم والمبادئ .. في الصناعة والتجارة .. في الاستعداد العسكري ( حتى مع أحلامنا بأن العراق كان قوة ضاربة ) .. في نظم الإدارة والتخطيط ( ولازلت أذكر حالة الفزع التي انتابت كل الدول العربية بلا استثناء قبيل الحرب من نقص المواد الغذائية وحالة البؤس التي ظهروا عليها وهم يستجدون من كل مكان ليقوموا بإعداد خزين احتياطي من المواد الغذائية وخصوصا القمح .. ومن السخرية المرّة أن هذه المؤن الغذائية كانت تأتي من العدو الأمريكي ومن استراليا حليفتها!!).

 يتبع

 

في الوسط .. الموقف الصعب للأغلبية الصامتة *

 



ظلت الغالبية الساحقة من الشعب السعودي لفترة طويلة تقف في الوسط ــ بالمعنى التوصيفي للمواقف السياسية ــ من التيارات السياسية المختلفة التي كانت تنتشر في أغلب البلاد العربية ..
وهذا الموقف كان لأسباب كثيرة منها :
ــ مكانة المملكة العربية السعودية الدينية ، باعتبارها مهبط الوحي ، ومنبع الإسلام ،وبلاد الحرمين الشريفين ، وما يوجبه ذلك من التزام عميق بالوسطية التي حضّ عليها الشارع الحكيم .
ــ السياسة العامة للحكومة السعودية .. التي ظلت دائما تتمسك بالوقوف في هذه المنطقة الشائكة من مناطق الفعل السياسي .
ــ عدم الاهتمام الفعلي وأحيانا اللامبالاة من أغلبية المواطنين السعوديين بالحديث أو التعبير عن مواقفهم السياسية لأسباب بعضها له علاقة بمخاوف ــ حقيقية أو وهمية ــ من المشاركة وإبداء الرأي ، وبعضها له علاقة بما يمكن أن نطلق عليه نبذ السياسة وأوجاعها في دولة الرخاء أو الطفرة التي كانت قائمة حتى بداية التسعينات وهذا يصنّف هؤلاء بشكل مباشر في خانة الوسطيين .
ــ ما استقرّ في الوجدان الجمعي للأغلبية الصامتة من أن الحكم في بلادنا وريث " وثيقة العهد " الشهيرة بين الإمام محمد بن سعود ،والشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وفحواها أن هذه الدولة حامية للشعائر الإسلامية ،وراعية للمسلمين . وبهذا تنتفي أية رغبة في منازعة الحكومة ولايتها أو صلاحياتها ،خصوصا وأن هذه الأغلبية الساحقة من "المسلمين السنة "، وأيضا لأن الأفعال قاربت الأقوال الحكومية على وجه الإجمال برغم كثير من القصور الذي لا يسلم منه بشر أو نظام مستقرّ ، بله أن يكون هذا النظام في محيط الصراعات الشرق أوسطية ، وتداعياتها .
ــ الأمية السياسية .
ــ وهناك أسباب أخرى ..
ولذلك فإن التمسك بمنطقة الوسط كان خيارا أصيلا ومبررا ــ شرعا وعقلا وواقعا ــ في ظروف المملكة العربية السعودية .

ولكن فجأة وبدون استعداد ــ كالعادة ــ وحتى بدون مقدمات ــ إثر العام 90بشكل موارب ، وبعد أحداث 11 سبتمبر وغزو العراق بشكل فجّ وصريح ومعلن ــ أصبح مطلوباً من السعوديين حكومة وشعبا أن يقاتلوا بضراوة وعلى جبهات متعددة داخليا ، وإقليميا ، لإثبات صواب وقوفهم في منطقة (الوسط السياسي ) وما تسميه الأدبيات الصحفية عندنا بـ ( الاعتدال أو الاتزان )

وفي الأحوال الظاهرية يبدو أن الدفاع عن منطقة الوسط هو من أسهل الأمور .. فيكفي أن تكون محايدا لتربح رضا الجميع ..
ولكن الأمر هنا ليس بهذه البساطة .. إذ يعني الوقوف في الوسط في السياسة ــ فيما يعنيه ــ أنك تقف في مواجهة الآخرين جميعا سواءً كانوا في اليمين أو اليسار .. وليس مجرد وقوف على الحياد كما هو شأن سويسرا مثلا ..
فمن ناحية تستقطب هذه المنطقة من مناطق العمل السياسي ــ عادة ــ أغلبية الناس ، لأن الطبيعة البشرية تنحو نحو الاعتدال في الظروف والأحوال العادية ، وإنما تشتطّ أكثر في الأحوال التي تشعر بأنها مهدّدة فتأخذ أحد الطرفين يمينا أو يسارا .. وما دونهما قربا أو بعدا من منطقة الوسط .. ولهذا فإن الغالبية التي تتمسك بهذه المنطقة هي غالبية ساكنة ومسالمة ، وليست ناشطة سياسيا ، بينما الآخرون في قمّة التوهج والاستعداد للقتال ..
ومن ناحية ثانية .. فإن المتقاتلين على الأطراف ــ في العادة ولأغراض دعائية ــ يصورون الأمر وكأن الغالبية في الوسط لصالحهم ، ولهذا فإما أن تؤيدهم ــ أو تسكت عنهم على الأقل ــ وإلا فإنك ستكون العدو الجديد وربما البديل ، لأنهم في هذه الحالة يقاتلون في سبيل صيد ثمين .. هي ( الغالبية البشرية) .
 

يتبع